الثلاثاء، 22 مايو 2018

الكرسي

لا يحتاج عزيز نيسين إلى تقديم، فقراء العربية يعرفون الكاتب التركي الساخر جيداً، وقد تعرفوا إلى كتاباته القصصية والروائية منذ وقت طويل باعتباره «واقعياً ساخراً» بامتياز، حيث يقتنص الفكرة بعين شديدة الحساسية ويعمل عليها حتى تصبح، في قالبه الفني الإبداعي، منتجاً نابضاً سواء على المستوى الفني أو الفكري. في مجموعة «الكرسي» الصادرة عن دار «كيوان» وهي طبعة ثانية يأخذنا عزيز نيسين إلى عالمه برشاقة تجعل القارئ متورطاً في تفصيلات قصصه التي يجدها قريبة منه، وحارة في أحيان كثيرة. و»الكرسي» قصة تتناول حياة موظف في الأيام الأخيرة له في عمله، حيث سيتقاعد خلال أيام، فيبدأ بعدها ساعات ودقائق وهو يروي لموظفي المكتب الذي يرأسه، عن مشاريعه التي سيقوم بها بعد تقاعده... لنكتشف بعد قليل أنه لا يجيد إلا عمله الذي أمضى فيه أكثر من ربع قرن، فنراه يعود، بعد عدة تجارب فاشلة، إلى مكتبه ليجلس على «كرسي» بجوار رئيس الدائرة الجديدة يقدم له كل معلوماته ومعارفه في العمل ليبقى متمسكاً بخيط الحياة... وهذا الخيط نرى الكاتب يحيكه ببساطة ورشاقة وسخرية مبطنة من الأحلام الذي يصطدم بواقع يفرض نفسه كقوة لا يمكن مواجهتها إلا بالالتفاف عليها، إذ يمارس ذلك الموظف المتقاعد عمله رغم كل ما يحيط به من استغراب موظفيه الذين كانوا تحت إمرته. أما في قصة «مؤتمر الأطباء» فيمزج الكاتب الواقع السياسي والاجتماعي في قالب ساخر، مرير، وأليم، حين يروي حكاية ذلك المؤتمر الذي يقدم فيه الأطباء الأوروبيون أشكالاً عديدة من الابتكار العلمي المدهش.. إلى أن يأتي دور الطبيب التركي الذي يتحدث عن استئصال لوزتين فيسخر منه المشاركون، لكنه يكشف عن الجانب «الإبداعي» في عمله ذلك حين يقول إنه استأصل لوزتي صحفي، وكان الصحفيون ممنوعين من فتح أفواههم في ذلك الزمان فاضطر إلى استئصال اللوزتين من طريق آخر، من الأسفل، وهنا تكون المفاجأة شديدة الإبداع والمرارة في آن معاً. ثمة حبكة حارة ومفاجئة تجدها في قصة «كم عدد أسنانها؟» حيث تتصاعد الحكاية والتوتر الداخلي إلى أن تكشف الأحداث عن المؤامرة البسيطة ولكن الساخرة... وهكذا نمضي مع قصة «أصبحت رئيس بلدية» أو غيرها من قصص المجموعة التي تكشف عن جوانب متعددة داخل البنية الاجتماعية والسياسية، عبر لعبة المفارقات، وإضاءة اللحظات التي تشكل علامة على مدى الألم أو التخلف هنا وهناك... عزيز نيسين مرة أخرى يبدو في هذا العمل لسان حال أمته ومجتمعه... عبر إرسال الضحكة الممزوجة بالأسى.

source https://qrtopa.com/book/13869

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق