أضحى مجال تاريخ المرأة خلال السنوات الثلاثين الماضية، ميداناً لتطورات بالغة الأهمية، فقد نما في مجال إهتمام هامشي وحقل إختصاص لمجموعة صغيرة من الباحثين النسويين، ليصبح فرعاً معرفياً قائماً بذاته يتحدى مفاهيم تاريخ بطركي عام وشامل ويقوم بتطوير منهجيات أثرت في مجالات عدة في العلوم الإنسانية والعلوم الإجتماعية. وهناك حالياً العديد من الجامعات في أميركا الشمالية وفي أوروبا تتباهى بإحتضانها عدداً من المختصين في تاريخ المرأة، ومن الأقسام المخصصة للأبحاث المتعلقة بالمرأة وبالجندر، لقد تركت التطورات المذكورة أثراً لا يستهان به في مجال الأبحاث النسوية، على التاريخ الأوروبي القديم. والسبب هو أن تعبير التاريخ القديم يفهم منه عادة الإشارة إلى تاريخ الأغريق والرومان، فلا يوجد في التاريخ القديم سوى النزر اليسير من المعلومات عن الأدوار التاريخية المدوّنة الخاصة بالنساء أو عن المفاهيم المتعلقة بالجنس أو بالجندر، أو حول مفهوم الأنوثة، خارج التقاليد الأغريقية أو الرومانية، لأن المدونات الآتية من خارج بلاد الأغريق والرومان لتعتبر تاريخياً "حقيقياً" وغالباً ما يتم إهمالها في الدراسات التي تدعي عكس ذلك، أي تدّعي أنها تعالج موضوع المرأة أو الجندر في التاريخ القديم على نحو شامل. وقد يكون عزوف الباحثين عن تناول هذا الموضوع ناجماً عن كم المعلومات المتوفر المثبط للهمّة، أكثر من كونه ناجماً عن ندرتها، أو عن عدم الإكتراث بالموضوع. من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب "نساء بابل" الذي يضم دراسة تاريخية، ودراسة لتاريخ الفن، في آن معاً، وهو يتقصى مفاهيم الأنوثة التي كانت سائدة في المجتمع الآشوري، البابلي؛ الكتاب يعني بــ"المرأة" بما هي إسقاط للفانتازيا الثقافية، مفهوم مركب للأنوثة خاص بالمجتمع المذكور، لا يحاول الكتاب، كونه بحثاً يتعص تركيبة الجنس والجندر، تعداد كل تفصيل من تفاصيل المدونات التاريخية التي تتحدث عن المراة في بلاد ما بين النهرين في العصور القديمة (وهي مقاربة تنتقدها بشدّة كل الدراسات النسوية الحالية كونها لا تضيف جديداً إلى الموقف النسوي)؛ بدل ذلك، يسعى الكتاب إلى تحليل الكيفية التي حددت بها هذه الثقافة القديمة بعينها الجنسانية والأدوار المجندرة، في التمثلات ومن خلالها. ومع أن التركيز الأساس ينصب على مفاهيم الأنوثة، فإن الكتاب يتعرض لمناقشة المذكورة، بما أن القطبية الثنائية، ذكر/ أنثى، كانت سائدة في التمثلات البصرية عبر تاريخ بلاد ما بين النهرين، وقد أصبحت تمثلات التباين الجنسي (البصرية منها والنصية) مجالاً للإهتمام النظري وللدراسات الإستقصائية في الأبحاث النسوية الحديثة، وتعنى هذه المقاربة بتفحص الكيفية التي تتكون بها الجنسانية والجندر ضمن مصفوفة علاقات القوة، وكيف ينشآن عنها وكيف يجري تأكيدهما أو غرسهما عبر صيرورات التمايز، ليصبحا بذلك دورين معياريين. إلا أن هذه المقاربة تختلف عن الموجة الأولى السابقة لها من الدراسات التاريخية النسوية التي سعت للعثور على المرأة في المدونات التاريخية بهدف إختراق جدار الصمت الذي يكتنفها في الماضي، يقدم الفصل الاول فكرة عامة عن النظرية النسوية وتطورها خلال العقود الثلاثة المنصرمة في مجال العلوم الإنسانية والعلوم الإجتماعية، كما يبحث تلك التطورات في ما يتصل بدراسة العصور القديمة، أما الفصل الثاني فهو يمثل مقدمة لنقد الفن النسوي، والخلفية النظرية للتركيز اللاحق على العلاقة بين التمثل وتركيبة الجندر، ويتقص الفصل الثالث تركيبة الجندر في ثقافة بلاد ما بين النهرين، لا سيما في الألفين الاول والثاني ق.م، إنطلاقاً من الجسد والعري، ويتتبع الفصل الرابع الصورة (الشائعة للغاية) للشكل الأنثوي العاري الذي يجري إظهاره مواجهة مقارنة بتمثيل العربي الأنثوي في بلاد الأغريق في العصور القديمة، ويناقش الفصل الخامس عدداً من الأعمال الآتية من التصاوير الأنثوية القادمة من بلاد ما بين النهرين، ويقدم الفصل السادس ويحلل الكثير من المعاني في تلك التصاوير والتي تظهر بدقة أدواراً مجندرة تتحول فيها الأنوثة إلى حامل لمعان محددة، بينما يركز الفصل الثالث على الإلهة الآشورية - البابلية عشتار.
source https://qrtopa.com/book/13820
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق