في "موانئ المشرق" يحكي معلوف قصة البطل "عصيان كتبدار" المسلم العثماني الذي درس في فرنسا، إنه المواطن العالمي الذي يجسد فكرة التسامح في أجمل وأكمل معانيها.. فيكون مصيره الجنون ومستشفى الأمراض العقلية .. في سخرية مُرّة ومؤلمة. وكعادة أمين معلوف في كل اعماله ...تتلاقى الحضارات والقوميات والأديان ...في شكل يعلو من قيمة الإنسان ايا يكن جنسه او دينه او لغته .... في موانئ المشرق أو سلالم الشرق ....هذه الرواية الممتعة ...يتناول معلوف سيرة رجل انحدر من أب تركي وأم ارمنية .....وكان هذا الالتقاء وهذا الزواج في عز النعرة العنصرية ضد الأرمن والتي نتج عنها كثير من المآسي....ولكن والد بطل الرواية يتزوج امه الارمنية ويهاجر إلى بيروت ... وفي بيروت حيث اختلاط الأعراق والأديان ينشأ ( عصيان ) وهو اسم بطل الرواية ....ثم يتوجه إلى فرنسا ليدرس الطب ....في ذلك الوقت كانت الحرب العالمية مشتعلة ...وكان الإحتلال النازي لفرنسا حيث ينظم عصيان إلى جماعة من المقاوميين للنازية ....ويتعرف لفترة بسيطة بكارلا وهي يهودية ذبح ذويها في معسكرات الابادة النازية... تنتهي الحرب....وتنتصر ارادة المقاومة على الأحتلال...تنتصر افكار الحرية على الديكتاتورية ....يعود عصيان بطلا إلى بيروت حيث تسبقه حكايات بطولاته في المقاومة .... هناك يلتقي بكارلا مجددا التي اتت بخالها وهو الناجي الوحيد من المحرقة من اجل ان يعش بقية عمره في حيفا... يلتقي المناضلان السابقان ضد العنصرية مجددا....يقرران الزواج....ويتزوجان ....وفي حيفا يكتشفان الحجم الهائل لسوء الفهم المتبادل بين اليهود والعرب......وضخامة الكره ....... يكتشفان ان مقاومة النازية قد تكون اسهل من محاولة ارساء تفاهم بين اليهود والعرب ...اليهود الذين يرون انهم تعرضوا لماساة من نوع خاص تؤهلهم لبناء وطن لهم ولو على حساب شعب آخر لا ذنب له في ماحصل ... تكتشف كارلا اليهودية هذا ...وتحاول مع مجموعة من اليهود والعرب تأسيس جمعية لارساء بعض التفاهم ...لكن الوقت كان يمضي بسرعة ... يعود عصيان إلى بيروت لرؤية والده المحتضر ....تشتعل حرب الـ 48 ...يصاب عصيان بانهيار عصبي حاد.....ويتم ادخاله لاحدى المصحات. وهكذا ....تمضي السنوات الحاسمة وهو يعاني الجنون ...والفراق ...وتشتعل الحرب الأهلية اللبنانية ....وتتنامى النوازع العنصرية والقومية المتطرفة .... لايدين معلوف احد في روايته الجميلة ..... لايقدم خطابا سياسيا او فكريا .... هو فقط يتناول الإنسان ....الإنسان الذي يشعر بالحب ...ويشعر بالحزن ...الإنسان الذي يتألم ...ويفرح ......دون ان تختلف مشاعر الحب او مشاعر الحزن او مشاعر الألم او مشاعر الفرح ...بين قومية واخرى او بين حضارة وأخرى ..او بين اصحاب دين ودين آخر... ورغم اليأس الذي يغلف كثيرا من الأحداث..... اليأس الذي انتقل في الرواية إلى الجيل التالي... فإبنة عصيان من كارلا والتي ولدت في غيابة ...وسمتها امها ناديا ...والتي تعتبر نفسها مسلمة تبعا لوالدها .....ويهودية تبعا لامها.....ناديا تبذل جهدا في محاولة لاخراج والدها من المصحة ...تلتقي به ...تقبله ......لكنها تعود إلى واقعها ....فتغادر المكان كله إلى البرازيل .... ولاتنتهي الا بخروج عصيان اخيرا من المصح ....وهنا يبحث عن أصدقاء المقاومة ....ويطلب من كارلا في رسالة ان تقابله في نفس المكان القديم على نهر السين .... وفي النهاية لايمكن اختصار الرواية في كلمات و لكن يمكن القول أن هذا الادب هو السلاح الأقوى ...لتنمية مشاعر الإنسانية الحقة ....بعيدا عن أي تعصب أحمق .
source https://qrtopa.com/book/15209
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق