يطرق أيمن الدبوسي في روايته الأولى "انتصاب أسود" باباً لطالما تحاشاه الكتّاب العرب، فهم يعرفون أن وراءه آلاف الرقباء العتاة والمهاجمين العنيفين والمحاربين الأشداء. لكنه مع ذلك لا يكتفي بطرقه، بل يقتحمه اقتحاماً لا رجعة عنه، مبرزاً كل عدّته وعتاده، ومستعداً لخوض معركة ضارية حتى النهاية. إنه باب "الرواية البورنوغرافية"، التي كانت ولا تزال منذ نشوء الرواية العربية خطاً أحمر لا يجرؤ أحد، إلا في ما ندر، على الاقتراب منه، فكيف بتجاوزه؟ تحكي الرواية عن طبيب نفسي يحمل اسم الكاتب نفسه، وله العمر نفسه، يعيش تجارب جنسية عديدة، يذهب فيها إلى النهاية، إلى الحد الأقصى، ويرويها من دون أن يحاول الالتفاف على الكلمات والألفاظ، فتراه يسرد ما يحصل من دون مداورة أو تشذيب. "راح فمها يعمل تارة كفرج، وطوراً كشرج، ثم يتحوّل ويتخذ من الثقوب هيئة الممكن، وغير الممكن، ويستوفي هيئة كل رطب ضيق ذي شفط. كنت مثل جرم شارد وقع تحت تأثير جاذبية ثقب أسود...". لا تقصّ الرواية حكاية، بل هي على شكل 7 فصول سردية، في كل واحدة منها مغامرة جنسية متفلتة من أي ضوابط، وما يجمع بينها أن البطل فيها جميعاً هو نفسه، يروي على امتداد سنتين نتفاً من سيرة الشبق الذي لا يرتوي، وسيرة الانتصاب الذي لا يتركه. غير أن هذه الفصول تتخللها سيرة موازية، هي سيرة الثورة التونسية، التي ينثر الكاتب متفرقات عنها هنا وهناك بين المشاهد البورنوغرافية. وكأنه يريد القول إن هذه الثورة، لم تكن ثورة على سلطة سياسية دكتاتورية فقط، بل كانت ثورة أيضاً، وبالمقدار نفسه، على كل شيء، على كل التابوهات والمحرّمات، على الصمت والضجر، وعلى الإعجاب بالغرب وديمقراطيته. تبدو روح التمرد حاضرة في كل الشخصيات التونسية في الرواية،وإن كانت شخصيات ثانوية، إنه عصر الثورة، عصر تحطيم الاستبداد السياسي والديني والثقافي، وفرض قوالب حرة، تعيد تعريف الأشياء، وتفرض قيمها الأخلاقية الجديدة، وترسي مبادئها.
source https://qrtopa.com/book/14654
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق