الجمعة، 17 مايو 2019

أقصى درجات العزلة

رواية أقصى درجات العزلة الطاهر بن جلون ضمن تداخل قسري بين هموم الإنسان المغربي المهاجر في تأمين احتياجاته خارج بلدة في فرنسا وبين إخفاقاته الجسدية من ناحية وعزلته العشرية الناتجة عن تهميشه في المجتمع الفرنسي من ناحية أخرى تنطلق استشفافات طاهر بن جلون في تلمس مبعث هذا الإخفاق وهو يقول في هذا الصدد بأن هناك رجال يضطرون إلى نفي أنفسهم لبيع قوة عملهم ويضطرون من أجل ذلك ترك وسطهم العائلي والثقافي والعاطفي والجنسي. عدا ذلك، فإنهم لا يجدون في فرنسا أية بنية مستقبلة غير تلك التي يفرضها منطق الرأسمال، أي البنى التي تؤمن الاستثمار على حساب كراهية كل ما هو إنساني، كراهية الحياة العاطفية والجنسية للمهاجرين. يعبر فقدان العاطفة (سيرى القارئ من خلال صفحات الكتاب كيف يتجسد ذلك) عن نفسه يومياً بتقشف قسري وكبت متصاعد لرغباتهم الجنسية، فالبؤس المادي الذي يعيشونه (شروط العمل، السكن، الاستغلال بأشكال مختلفة) صار معروفاً أكثر فأكثر وغالباً ما يشهر به. لكن ما الذي يمكن قوله عن البؤس الآخر، الأقل بروزاً والأقل ظهوراً أيضاً، انه بؤس العزلة، ذلك الذي يتلقونه في الشارع، في الغرفة، وفي النوم؟ لا حديث عنه البتة. هناك سببين لهذا السكون أولها أنه من الصعب قياس درجة التعاسة التي يضطرون للعيش ضمنها: فضلاً عن أن الجنس والكبت الجنسي لا يقلقان الشغيلة المهاجرين وحدهم. إذاً لا أحد يتساءل عن الأمر. فالمهاجر المهمل داخل عزلته هو موضوع لصورتين متناقضتين: صورة المهووس الجنسي العنيف، وصورة عن شفافية رجل لا وجود له إلا كعنصر في الإنتاج، مقصي عن الرغبة والعاطفة. من جهة يخشى منه ويحذر منه (بل يصار إلى ملاحقته وقتله) ومن جهة أخرى، لا ينظر إليه ولا يعار وجوده، في تعقيده وتميزه أي انتباه، ولا يعترف به، يفضل أن يكبت في اللامبالاة. وأن يرمى داخل غيتو يضم أمثاله. هذه الصورة ذات القطبين غالباً هي ما سيستعيده طاهر بن جلون في هذا الكتاب خلال مقابلته مع المهاجرين المغاربة، لأنهم يعيشونها ويعانون منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق