الأحد، 22 يوليو 2018

لخضر

في محاولة لرصد الواقع المعاشر لغالبية أبناء الطبقة الفقيرة في المجتمعات العربية؛ وعجز الحكومات عن تأمين فرص عمل لائقة لأبناءها في ظل غياب التخطيط السليم، تقع كثير من الأسر تحت عجز وفقر مدقع. في رواية "لخضر" تحاول الروائية "ياسمينة صالح" من الجزائر أن تضع يدها على الجرح جرح من لا ذنب لهم إلا أنهم خلقوا في هكذا أوطان، ليقفوا مكتوفي الأيدي أمام قسوة الحياة فبطل روايتها حمال في الميناء تضطره سوء الأحوال المعيشية إلى أن يزرع ابنه في ذات الوظيفة: "أحس بحزن وهو يتخيل شكل الحياة التي سينتهي إليها... حمّال ابن حمّال.. كان يعرف أنه ليس أكثر من ذلك، وأن عليه أن يحمد الله كثيراً لأنه صار موظفاً، يعود إلى البيت امام أعين شباب في سنه، يحسدونه في قرارة أنفسهم لأنه صار موظفاً، بينما يظلون عاطلين عن العمل، يحلمون بفرصة للهرب إلى بلد آخر تمنحهم ما عجزت هذه البلاد عن منحه إليهم، شباب يحلمون بالهرب، في الوقت الذي لم يعد هو يجد الوقت للتفكير فيه!". -تجسد الروائية في هذه القصة الصراع الذي ينتاب شبابنا بين واجب مساعدة الأهل أو الهروب من هذا الواقع بالبحث عن فرصة عمل في بلاد الغرب، ففي رصدها لواقع الحال تصور حال النفس البشرية التي أرهقتها رتابة الحياة والإستسلام للواقع في شخصية "لخضر"، "تسرب الوقت منه ومضت سنة كاملة بسرعة البرق، كان مذهولاً وهو يتساءل في نفسه: هل هذه هي الحياة التي يستحقها؟ قبل سنة، حلم بغربة يختارها عن قناعة كخيار وحيد بالنسبة إليه في طفولته كان يحلم بالهرب من البيت، وعندما كبر قليلاً صار يفكر في الهرب من البلاد كلها، مع ذلك عجز عن الهرب". -وهنا تطرح الروائية رؤيتها الثاقبة بحس مسؤول لأسباب الفقر والإستغلال الذي تتعرض له الطبقة العاملة في غالبية المجتمعات العربية فشقاء هؤلاء العمال هو السبب في سعادة من في أيديهم قرار تسيير دقة شؤون البلاد والعباد، فتواطؤ الرأسمالية وتضافر مصالحها مع المسؤولين هو سبب المشكلة، يتأمل بطل الرواية هنا وهو جالساً في الميناء "يصغي إلى حكايات الناس وأخبار الوطن.. كانت أخبار الوطن تتجسد أمام عينيه على شكل بضائع التي تصل من الخارج، بأسماء شخصيات معروفة في البلاد، تعوّد على رؤية صور هم في الجريدة اليومية، ثم أصبح يراهم بلحمهم وشحمهم وغطرستهم كلما جاءوا شخصياً لتسلمها (...) فكر لخضر كثيراً لماذا يضطر سيد بهذه الأهمية إلى التنقل بنفسه إلى الميناء لمباشرة عملية يستطيع أن يكلف أي شخص بها؟ قال له الشيخ إبراهيم وهو ينفض الغبار الكثيف عن ثيابه.. سنظل حميراً داخل إسطبل السادة! - إنها أكثر من رواية، إنها ملحمة، تحكي مأساة كثيرون من البشر، خصوصاً في عصرنا الراهن الذي أصبح فيه إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان والحكومات لأبناءها في ظل شعارات مزيفة، ما يعيدنا بالذاكرة إلى عصر القرون الوسطى وطواعية العبد للسيد، فهل نحن بحاجة إلى ثورة من أجل التغيير؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق