الأحد، 10 مارس 2019
خضراء كالبحار
"هي أيضاً ستموت، ذات يوم، وتمضي حاملة جسدها إلى سعير روحها الشقية. قد يدفنونها إلى جانب نعمان. لكنها لن تقترب قط من روحه الطاهرة. روحها هي ستدفن في أعماق البحار. شيء صغير حدث لها في أوائل آذار وأزاح عن عينيها ستائر وعلامات. كانت تخرج بسيارتها من معهد الدراسات الصحفية عند المغيب، وسرعان ما أجبرتها حركة المرور الكثيفة على التوقف. وسرعان ما انهمر المطر قوياً وصائقاً. لا برق ولا رعد. فقط طبول المطر. منذ شهور لم تنتبه إلى المطر. مدت إصبعيها وشغلت المساحتين. راح فراس يهطل مع المطر، يروح ويجيء أمام عينيها مع المساحتين، بل ويمد يده ويقبض على يدها ويشدها رافضاً ثمن المساحتين.. اغرورق المطر. انغبش وصار ضباباً مشرشراً. ولحظة انطلق موكب السيارات. نتشت منديلاً ورقياً ليكون مساحة لعينيها. هذا كله ذهب أدراج المستشفى في الطابع الرابع، في تلك الحجرة، راح المشهد الأخير للخال نعمان يقوض السوسن داخل جوانحها ويهتك المطر. هذا كله تذكرة من الله. إنه يخدرها من هذه الشروش الآثمة التي سقاها فراس نصار بمطره في وجدانها. الحب جميل وسيعد وحر؛ لكنه مثل غياهب البحار، قادر أن يهلك، لأنه لا أحد يستطيع تحمل الخطيئة. الشيء الصحيح هو العائلة والولاء والشرف. هذه الروابط القديمة ليست قراراً يوقع عليه العقل وانتهينا. إنها شيء ينبع هو الآخر من الغياهب. يأتي حاملاً الرضا والطمأنينة، والاستمرار، أنساق بيضاء، لا برق فيها ولا رعد. لا سيول. ولا تهديد". بلطف ورقة يحمل هاني الراهب خيال القارئ إلى عالم أبطال روايته، ليقترب من تجربتهم التي تجتاحها نزوات جسدية حيناً، وارتقاءات روحية أحياناً، وصراعات بين ذاك الجسد وبين تلك الروح لا تسكن ولا تستكين، طارحاً في ثنايا روايته رؤىً فلسفية تنزع إلى إيجاد فلسفة لتلك العاطفة التي تجتاح روح الإنسان فتتركه في حيرة، وفي دوران دائم حول نفسه في محاولة لمعرفة كنهها.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق