الأحد، 11 نوفمبر 2018
المسلمون في روسيا الموروث وتحديات المستقبل
يشكل الإسلام في روسيا الدين الثاني بعد المسيحية، والمسلمون جزء أساس من الشعب الروسي. فالخلافات التاريخية بين المسيحيين والمسلمين كثيراً ما تقلق القيادة الروسية من أن يعاود استغلالها وأن تعمل الولايات المتحدة على تجديد هذه الخلافات. روسيا تعتبر أن دول آسيا الوسطى الملاصقة لها والتي تضم أكثر من 100 مليون نسمة ونسبة كبيرة من الشعوب التركية المنتشرة في مناطق أوراسيا، يشكلون جزءاً من الأمن القومي الروسي. ويمكن في أي لحظة أن تستغل الولايات المتحدة خلافات هذه الشعوب التاريخية مع روسيا التي تعتبر أن تنظيم القاعدة وأخواتها هي خلايا نائمة في هذه المناطق. ويمكن للولايات المتحدة أو لتركيا ان تدفعهم لضرب روسيا في عقر دارها. فتجربة حرب الشيشان كانت بمثابة حرب أهلية بين الروس أعادت الى الذاكرة تجربة لينين وستالين القاسيتين مع المسلمين السوفيات. يأتي كتاب "المسلمون في روسيا: الموروث وتحديات المستقبل" للكاتب والمختص بالشأن الروسي يوسف مرتضى، ليشكل دراسة جيوبولتيكية بفصوله الثمانية. فالفصل الأول يركز على ظاهرة الإسلاموفيا المنتشرة في العالم الغربي. والفصل الثاني يسلط الضوء على الجغرافيا السياسية لروسيا، فيما يتطرق الفصل الثالث الى نشأة الإسلام في روسيا. ويركز الفصل الرابع على واقع المسلمين الروس في حقبة الحكم القيصري، في حين يعرض الفصل الخامس لمعاناة المسلمين في العهد السوفياتي. ويستعرض الفصل السادس واقع المسلمين بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. ويطل الفصل السابع على أماكن انتشار المسلمين الروس وتوزعهم الجغرافي. أما الفصل الثامن فيتناول واقع الديانات الأساسية غير الإسلامية في روسيا، وهي المسيحية الأرثوذكسية، واليهودية، والبوذية. تعد روسيا دولة فيدرالية، ويتشكل مجتمعها من نحو 160 جماعة عرقية. وعدد سكانها حوالى 143 مليون نسمة، وهي أكبر دولة من حيث المساحة. يشير عدد من التقديرات الروسية والعربية الى أن عدد المسلمين الذين يتوزعون على أربعين اثنية مختلفة يراوح بين 15 الى 20 مليون نسمة. وتعيش الأكثرية الساحقة منهم في منطقة الفولغا، الأورال، القوقاز، موسكو، سان بطرس برغ، وغرب سيبريا. ويشكل التتار الإثنية الأكبر ويبلغ تعدادهم حوالى ستة مليون نسمة أي ما يقارب 4 بالمائة من عدد سكان روسيا، تليها البشكير الذين يشكلون أكثر من مليون نسمة، والشيشان حوالى مليون نسمة. الأكثرية العظمى من مسلمي روسيا هم من المسلمين السنة، الذين ينتميون إلى مدرستين فقهيتين، هما الشافعية في شمال القوقاز والحنفية في المناطق الإسلامية الأخرى. ويسجل وجود فرق صوفية ليست ذات شأن في شمال القوقاز تحديداً. تعود قصة دخول الإسلام الى روسيا الى أيام الفتح الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. فقد دخل الإسلام الى روسيا قبل أكثر من 1400 سنة وبعد أكثر 300 سنة اعتنق الروس النصرانية الأرثوذكسية. وقد احتفلوا بنهاية القرن العشرين بذكرى مرور الف سنة على دخول النصرانية الى بلادهم واعتناقهم لها. مرت العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بمراحل مختلفة، كانت السيطرة والغلبة فيها للمسلمين في معظم الأوقات، حيث سيطر المسلمون لزمن طويل على روسيا، ومرت أوقات لم يكن الروس فيها سوى أدوات تنفيذية في يد المسلمين. لقد حكم المسلمون التتار جميع السهول والأقاليم الروسية لمدة 240 سنة. وكانت مدينتا موسكو وكييف النصرانيتان تدفعان الجزية للمسلمين التتار، ولا يعيّن حاكم عليهما الا بموافقة حاكم "قازان" المسلم. وفي المقابل تعرض المسلمون لسياسة التنكيل والإبادة من القياصرة وبالأخص في عهد ايفان الرهيب وطوال حكم أسرة آل رومانوف. وفي عهد الثورة الشيوعية عام 1917 وعد لينين المسلمين بأنه سيكون نصيراً لهم، إلا أن ما حدث بعد وفاته كان مناقضاً لوعوده. وسيطر الروس على أغلب الأراضي التي انتزعت سابقاً من العثمانيين. وقد تعرض المسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز لجميع أنواع الظلم والاستبداد. وكانت خسارة السلطنة العثمانية لأراضي آسيا الوسطى والقوقاز خسارة جغرافية وبشرية هامة جداً. وقبل الاحتلال الروسي لبلاد ما وراء النهر وتركستان الكبرى وطوران، كانت هذه البلاد إضافة إلى القوقاز تعيش حالة ازدهار عمراني وعلمي بعد دخول الإسلام اليها. ويحفظ لنا التاريخ اسماء خالدة لمعالم جغرافية هامة: طشقند، بخارى، سمرقند، كمدن لعبت دوراً هاماً في تطور الحضارة الإسلامية. وأنجبت هذه المنطقة للامة الإسلامية وللعالم ثلة خالدة من العلماء نذكر منهم: الإمام البخاري، الغزالي، النسائي، الترمذي، الخزارزمي، الفارابي، ابن سينا، والبيروني. وقد كانت اللغة العربية لغة المسلمين في تلك الديار ولغة الثقافة والتخاطب فيما بين نخبها. وعلى الضفة الأخرى كان الروس يعيشون حياة بداوة. وبعد قرون من الازدهار الحضاري شهدت هذه البلاد انتكاستين كبيرتين: الأولى كانت على يد المغول ثم نهضت منها بعد ظهور السلطنة العثمانية، لكن سرعان ما تعرضت للانتكاسة الثانية التي طال زمنها ولا تزال اثارها مستمرة حتى اليوم، وهي التي بدأت باستيلاء القيصر كاترينا الثانية بداية على جزيرة القرم وما تلاها من قتل لملايين المسلمين. وأخرجت هذه الجزيرة الاستراتيجية عن سيطرة السلطنة العثمانية. ومثّل سقوطها علامة على بداية انهيار هذه السلطنة التي أنهكتها الحروب الروسية المتتالية، التي نتج عنها استيلاء الروس على مناطق واسعة في القوقاز وآسيا الوسطى. وقد عمل الروس على تغيير هوية هذه المناطق وديمغرافيتها واستخدمت القوة المفرطة من قبل الروس لتنفيذها. وقد ارتد الكثير من المسلمين عن دينهم وخصوصاً أولئك الين هربوا الى أوروبا الشرقية إنقاذاً لحيواتهم. وبعد ذلك أصبحت مسألة زواج المسلمات بالمسيحيين ظاهرة منتشرة. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي هبت كثير من الأقاليم الإسلامية الى إعلان استقلالها. وظهرت بوادر صحوة إسلامية قادتها تيارات سنية قادها طلاب آسيا الوسطى والقوقاز الذين عادوا من سوريا ومصر والسعودية وتركيا وباكستان. وعادت ظاهرة الحجاب وحرصت أسر كثيرة على تعليم بناتها القرآن. غير أن هذه الصحوة استفزت حكام روسيا فاتخذوا في مواجهة ذلك تدابير للتضيق على دعاة النهضة الإسلامية. وكان من نتائج ذلك حصول صدامات بين المسلمين والأجهزة الأمنية. وساهم هجوم الجيش الروسي على الشيشان في تأجيج الغضب الدى مسلمي الشيشان وشمال القوقاز. وقد قوبل ذلك بقمع أشد من السلطات الروسية. بعد احداث 11 أيلول - سبتمبر 2001 وجدت روسيا وحلفاؤها من دول آسيا الوسطى فرصتها التاريخية لمواجهة المد الإسلامي الذي أخذ اشكالاً عنيفة في بعض ممارساته. في تلك الأثناء تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العديد من خطبه عما سماه خطر الإسلام الوهابي الذي يعتبره السبب الرئيس في الإرهاب العالمي الذي يضرب في روسيا أيضاً. وهذا ما دعا الحكومة الروسية إلى اتخاذ إجراءات وقائية. ومن هذه الإجراءات: تصنيف بعض المنظمات مثل مؤسسة الوقف الإسلامي ومؤسسة الحرمين بالإرهابية ومنع الطلبة من الدراسة في السعودية ومصر وباكستان وتركيا وقطر. ولا بد لأن نشير الى أنه قبل قرار الحظر، كانت باكستان أول دولة استقبلت طلاباً من روسيا وآسيا الوسطى وصل عددهم الى 12000 طالب احتضنتهم الجامعة الإسلامية في العاصمة إسلام آباد. وتقول الباحثة الروسية المسلمة غالينا حيزريفا من المعهد الروسي للأبحاث الاستراتيجية ومؤسسة سلسلة "الأممية الوهابية": "إن أولئك الذين يعودون من البلدان الإسلامية، ومن غير المهم أكانوا يدرسون أم يقاتلون هناك، فهم فور عودتهم ينشئون بنية مضادة للنظام الاجتماعي في روسيا... فالإسلامية أيديولوجيا غير قابلة للاتفاق، فهي من حيث المبدأ معدة للحرب، ويجب اعتماد قانون يمنع الوهابية. بموازاة ذلك يتم التعاون مع الفرق الصوفية والاستعانة بمؤسسة طابا الصوفية، التي تعقد مؤتمرات دورية في الشيشان لنشر التصوف والترويج للإسلام المعتدل. إن هدف الروس من وراء ذلك هو جعل الشيشان أنموذجاً للإسلام المعتدل، بعدما كانت القوة المسلمة الأساسية المصطدمة بالدولة الروسية. وكان لسياسة الانفتاح التي اتبعها الرئيس بوتين الأثر الإيجابي في توطيد ربط المسلمين بوطنهم روسيا وفي تأكيد ولائهم كجزء من تكوين الأمة الروسية. فلم يسبق لزعيم أو لرئيس روسي في العهدين القيصري والشيوعي أن زار مفتي روسيا أو المساجد في روسيا. أما اليوم قفد زار رئيس الوزراء مديفيدف مجلس المفتين لعموم روسيا وكانت خير سابقة في تاريخ روسيا. كما رعى بوتين في العام 2016 بحضوره شخصياً افتتاح جامع موسكو الكبير. إن هذا الانفتاح جعل المسلمين والمسيحيين في تواصل حواري دائم على خلفية أسس مفهوم المواطنة وترسيخها. Via مكتبة اقرأني http://qrtopa.com/rss
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق