البدوي لا يعرف المدينة والحضري تتوه قدماه في الصحراء، يمتزجان هنا ويفترقان هنا ، وبين امتزاجهما وتفرقهما تنضج الحكاية. ففي الصحراء يخلص الإنسان من ضيقه بجسده، يمتدّ، يصرخ، ينجو. وفي المدينة كل شيء يتهالك على المرء حتى ليظن أنه مكبل من كل الجهات. ليست هذه الحكاية حكاية مسكين مرت به الحياة وهي مغمضة العينين، بل حكاية صحراء امتدت في القلوب حتى غطاها الغبار والذكريات، ومن هناك ندرك أن الإنسان سائل، جسده دمٌ وماء، لا يعيش إلا بماء، يحيا بشربة ماء، يموت فيغسل بماء. وفي قبره يجف مثل الماء. ومن هناك أيضاً ندرك أننا أبناء الظروف، تصنعنا الأحداث وتعيد ترتيب حياتنا، تأخذنا لأفكار وأماكن جديدة، تبدل أرواحنا مرة بعد مرة. هذه الحكاية كُتبت بطعم الشعر والبادية، يأخذنا فيها خليفة الغالب في جلسةِ سمرٍ أمام النار، وبلغته السردية الممزوجة بالشعر، نتأكد من أن للظلم أثر لا يستطيع إخفاءه طغاة الأرض ولو اجتمعوا، أثر تصطبغ به المدن والأزقة والجدران، حتى وإن زال عن الأجساد، إلا أنه يظل في ركن من أركان الروح لا هو حي ولا هو ميت، الظلم مسخٌ لا ينتمي لحياة ولا لموت! وربما تكون هذه الحكاية، للذين لم يأتوا بعد، للمنسيين في ظهور آبائهم عاماً بعد عام.
source https://qrtopa.com/book/14334
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق