الأحد، 12 أغسطس 2018

أتاتورك السيرة الذاتية لمؤسس تركيا الحديثة

أصدر مشروع "كلمة" للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، الترجمة العربية لكتاب "أتاتورك: السيرة الذاتية لمؤسّس تركيا الحديثة" للكاتب البريطاني أندرو مانجو، ونقله إلى العربيّة عمر سعيد الأيوبي. ومصطفى كمال أتاتورك شخصية مثيرة للجدل، يمتزج في سيرته الذاتية عدة روايات، حيث يرى كثيرون أنه بطل قومي أنشــأ دولة تركيــا الحديثة من حطام الإمبراطورية العثمانية. وفي هذه الســيرة الذاتية يعيد أندرو مانجــو رواية حياة أتاتورك متجنّباً التمجيد والتهجّـم والنقد العنيف على حدٍّ ســواء، ويــزن بحكمة بين الروايــات المتناقضة في الغالب، مســتعرضاً بدقة وشــمول مختلف المصادر التركية والأجنبية، فيرســم صورة مفصلة ومتوازنة عن أتاتورك، وعن مواجهاته مــع أوثق مؤيديه وألدّ أعدائه. ويتمتّع أندرو مانغو بمؤهّلات فريدة تمكّنه من القيام بالمهمّة المهولة لغربلة آلاف الصفحات من كتابات أتاتورك الهائلة الحجم وخطاباته الكثيرة، ومن بينها خطاب واحد (نُطوق) ألقي على مدى ستة أيام. كما تفحّص أعمال 16 من كتّاب سيرة أتاتورك الذين سبقوه ودرسها دراسة نقدية، فضلاً عن مئات المذكّرات واليوميات والأعمال التاريخية التي وضعها مؤلّفون أتراك وأجانب، ومن بينهم العديد من معاصري مصطفى كمال، واطلع على كمّ ضخم ومتزايد من الكتابات الحديثة، العلمية والجدلية، التي لا تزال تثيرها شخصية مهمّة كأتاتورك. وكثير من هذه الكتابات بالتركية، وبالتالي ليست في متناول من لا يحسنون التركية. وقد استفاد مانغو من مهاراته الإذاعية والصحفية، إذ عمل سنوات طويلة رئيساً للقسم التركي في البي بي سي، في كتابة هذه السيرة الشاملة لمؤسّس تركيا الحديثة. ومع أن الكتاب يزيد على 700 صفحة، تشمل حواشي مفصّلة، فإنه يعرض قصّة أتاتورك بطريقة واضحة وشيّقة، تزيد فيه الطرائف الشخصية الكثيرة حيوية السرد التاريخي المفصّل. وتتعزّز قيمة الكتاب للدراسين بإدراج الأحداث المهمّة مرتّبة ترتيباً زمنياً من سنة 1876 إلى سنة 1953 (سنة نقل رفات أتاتورك إلى ضريح فخم)، والسير المختصرة للشخصيات التركية الرئيسية التي ورد ذكرها في النص. ولا يجتنب مانغو الروايات المثيرة للخلاف. وعندما تتعارض الوقائع، يقدّم في الغالب الروايات المتعارضة، ويعبّر عن الرواية المفضّلة لديه حيث يعتقد أن الأدلّة حاسمة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب لا يقتصر على قصّة حياة رجل واحد. فبعد تقديم فصل تمهيدي وجيز عن أصول الأتراك والدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، يضع مانغو حياة مصطفى كمال ضمن سياق حركة تحديث الإمبراطورية وإصلاحها على أمل وقف الهزائم العسكرية المتتالية التي تعرّضت لها. ويناقش أثر الأفكار السياسية الفرنسية والتكنولوجيا العسكرية الألمانية على سلك الضبّاط الشبّان، الذي التحق به مصطفى كمال. ويعرض تفاصيل الصدامات الشخصية والإيديولوجية، ومسار الحرب العالمية الأولى، والنضال من أجل الاستقلال بعد الحرب، وبروز أتاتورك قائداً للبلد، وتحرّكاته لتطبيق أجندته للإصلاح في مواجهة المعارضة المحلية، وقدرته على انتهاز الفرص والاستفادة من مختلف القوى الكبرى لتعزيز أمن تركيا. الهوية الوطنية..غراميات أعلن أتاتورك مراراً المساواة بين كل المواطنين الأتراك، غير أنه اعتمد النموذج الفرنسي للهوية الوطنية الذي يمنح حقوقاً كاملة للمواطنين الأتراك باعتبارهم أفراداً. وأرفق ذلك بحملة مكثّفة للانسجام اللغوي تحت شعار: "مواطن تركي، تحدّث التركية". وأدخل الحروف اللاتينية محل الحروف العربية بغية تقريب تركيا من الحضارة الغربية. وكان أتاتورك من دعاة تعليم المرأة، ونادى بمساواتها في الحقوق، ومنحها حق التصويت والترشّح للانتخابات البرلمانية. لكن رغم أن أتاتورك أعلن عن أنه يفضّل النظام الديمقراطي، فإنه اعتمد نظام الحزب الواحد، وأنهى تجربتين قصيرتين لأحزاب المعارضة، بحجّة المخاطر التي تشكّلها العناصر الرجعية على البلاد. ولم يكن أتاتورك يمارس في حياته الشخصية ما يتحدّث عنه في العلن. وقدّم مانغو أمثلة على ذلك، لا سيما في علاقاته الغرامية، وحياته الزوجية التي لم تعمّر طويلاً. السلطوي.. إصلاحات وفي القسم الأخير من الكتاب، يجمل مانغو إرث الكمالية ويناقش الانتقادات الرئيسية الثلاث لحكم أتاتورك: عدم إقامة حكم ديمقراطي، ويردّ على ذلك بأن الديمقراطية البرلمانية تتطلّب اتفاقاً على طبيعة الدولة والمجتمع، وهو ما لم يكن قد تحقّق في ذلك الوقت. ويخلص مانغو إلى أن النقاش الحماسي حول شخص أتاتورك وموضوع ثورته الثقافية سيستمرّ مدّة طويلة. بيد أن إصلاحات أتاتورك صمدت على الأقل في وجه الضغوط المعادية على نحو أفضل من كثير من المحاولات المعاصرة لإحداث تغيير جذري. لقد تغيّر الغرب الذي حاول أتاتورك محاكاته، ويمكن أن تتغيّر الكمالية معه، بطرح ماضيها السلطوي مع الاحتفاظ بانفتاحها على المعرفة الجديدة. المترجم والمؤلف أندرو مانجو، مؤلّف بريطاني وُلد في تركيا في سنة 1926 لأسرة أنجلو روسية. وهو شقيق المؤرّخ البريطاني المرموق والأستاذ في جامعة أكسفورد سيريل مانجو. انتقل إلى بريطانيا في سنة 1947، ودرس في جامعة لندن. ويحمل شهادة دكتوراه في الأدب الفارسي. انضمّ إلى القسم التركي في البي بي سي، وأصبح منسّق البرنامج التركي، ثم رئيس قسم جنوب أوروبا في الإذاعة. تقاعد في سنة 1986، وتوفّي في سنة 2014، من مؤلّفاته: الأتراك اليوم 2004، تركيا والحرب على الإرهاب 2005، من السلطان إلى أتاتورك – تركيا 2009 . المترجم عمر سعيد الأيوبي يعمل في الترجمة والتحرير منذ أكثر من خمس وعشريـن سنة. ترجـم عدداً من الكتب نُشر بعضها ضمن منشورات "كلمة" مثل: "النظم البريدية في العالم الإسلامي قبل العصر الحديث" لآدم سيلفرشتاين، و"المرأة في حياة نابليون" لكريستوفر هيبرت، و"الموت الأسود" لجوزيف بيرن، و"الناتج المحلي الإجمالي: تاريخ موجز" لديان كويل. 24

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق