السبت، 11 أغسطس 2018
صورة جماعية مع سيدة
بغداد/ أوراق واقع يومي قاس يصف مصيراً كئيباً ،إنهيار أخلاقي إجتماعي وإضطراب داخلي في ظل الحرب وما بعدها. احداث نتابعها في رواية (صورة جماعية مع سيدة) للكاتب الألماني هاينريش بول، والصادرة عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة صلاح حاتم. تطل علينا شخصية ليني امرأة في الثامنة والأربعين من عمرها تتألق صحة وحيوية وحضورا واضحا في صفاتها الجسدية والنفسية، يضعها المؤلف في إطار صورة جماعية تمثل شرائح المجتمع طولاً وعرضاً وقد اطلق عليها تسمية سيدة. تكشف لنا الأحداث بأنها أرملة مقاتل، عملت لمدة خمس سنوات معاونة مدربة في مكتب والدها، وعملت بستانية غير مدربة لمدة سبع وعشرين سنة، تتخلى على نحو مستهتر وفي ظروف التضخم النقدي عن ملك ثابت كبير هو عمارة للايجار متينة البنيان في مدينة نويشتات تصل قيمتها الى اربعمائة الف مارك، وتجد نفسها اقرب الى العوز بعد ان تستقيل من عملها من دون سبب. تتزوج من ضابط صف في القوات المسلحة الألمانية، لكنها تترمل بعد ثلاثة ايام من زواجها، وتتقاضى معاش ارملة مقاتل.. تجري الأحداث في بيت أهل ليني ومدرسة البنات التي تديرها راهبات، وفي مشتل المقبرة الخاص بالانتهازي المزاود بيلتسر تاجر الخردة ونابش الجثث، وايضاً في أقبية القنابل الشبيهة بالقبور في مدينة كولونيا، واماكن البناء والتحصينات حتى سور الأطلسي وعلى شاطي نهر الراين الهادئ هدوء المقابر بعيد الاستسلام، والسوق السواء والأفنية الخلفية وفيلات أرباب الصناعة، وفي معسكرات أسرى الحرب، مصائر شخوص تنسج وتتشكل بين علاقات داخلية وخارجية، حقائق وتأملات وأفكار يتم عرضها في توثيق دقيق.. وهنا نتعرف على شخصية أبو ليني، موهبة تتحول بين الوضع الاقتصادي للتسليح وستراتيجية الخراسانات على سور الأطلسي، الا ان الموت الرهيب الذي احاق بابنه الوحيد جعله يرى صعوده رزياً، بحث كل ما يفعله فيما بعد لن يسبب له الا الدمار الذاتي.. أما الأبنة ليني فهي تبرز وسط خضم الاحداث مزيجا لطيفا من الحلو والمر، وتبدو على فطرتها البسيطة انموذج للفرد المستقل غير المدجن، وتبدو متدركاتها بصرية ولمسية وشمية، ولا تستطيع ان تفهم الاشياء الا عن طريق حواسها. والجانب الآخر من طبيعتها يتجلى في استمتاعها بالطعام بعكس ما هو معتاد في ألمانيا فالطعام لديهم يكون سطحياً، وقد يختزل ببرشانة يدسها المرء بفمه. تصبح ذروة حياتها علاقتها ببوريس أسير الحرب السوفييتي، وهو على معرفة جيدة بالشعر الروسي وألألماني، وثمرة هذه العلاقة طفل يدعى ليف.. لينى لم تفهم العالم وتشك اذا كانت قد فهمته من قبل، لا تفهم عداء البيئة ولا حنق الناس عليها حين تغادر منزلها لابتياع حاجاتها يجهرون عليها بالهزء والسخرية وينعتونها بعبارات والفاظ مثل مرتبة بالية امرأة رذيلة، ونجدها تتنقل في شوارع مدينة كولونيا بسرعة يشتمها صبيان الأزقة بأنها عاهرة الشيوعيين.. وعقد القران الذي يحدث في مدافن المقبرة تحت قصف المعركة الختامية حول مدينة كولونيا يتخذ سمات الشيء السريالي، ويطلق على هذه المدافن تسمية الفردوس الروسي، وعند القصف الشديد بالقنابل تستحيل المواقعة البهيمية في حالة الخوف من الموت الى اتحاد صوفي واجتماعي مع الكائن البشري.. وبعد الحرب ترتبط ليني بعامل تركي يعمل في مصلحة التنظيفات متزوج وله اربعة أطفال. ونجد المؤلف يولي مصلحة التنظيفات ونقل الزبالة أهمية كبيرة، ويرى احتقار المجتمع لهذه الفئة التي تكرس نفسها لرفع القمامة هو عجرفة يمكن ان تكلف غالياً لو اضرب هؤلاء عن عملهم. هاينريش بول في سطور ولد في ضواحي كولونيا 1917.. نشر اول قصصه عام 46. جرب العديد من الاشكال والأنواع الأدبية لكن معظم النقاد متفقون على انه حقق افضل اعماله في القصة. ومن اشهر رواياته: لم يقل كلمة واحدة ـ بيت بلا حراس ـ خبز الأعوام السابقة ـ صمت الدكتور موركس ـ بلياردو في التاسعة والنصف.. في رواياته وقصصه الأولى يتعرض لسخافة الحرب وللموت الذي تسببه هذه الحرب، والذي لا غاية له ولا نفع، بول لا يصف الحرب وصفاً مباشراً وإنّما يقتصر وصفه على ما وراء هذه الحرب من مكاتب ومستشفيات ميدانية ونقل للجرحى ومعسكرات إعتقال ومدن تحترق، علاوة على الجوع والقلق.. حين يكون الحديث في داخل ألمانيا أو خارجها عن الأدب الألماني المعاصر يرد اسم هاينريش بول دائماً بأنّه أحد أهمّ ممثّلي الأدب الألماني بعد الحرب. ما ان بلغ الثانية والأربعين حتى اشتهر عالمياً، وما أطلّت سنة 1954 حتى ترجمت له خمسة أعمال أدبية إلى الإنجليزية، فمنذ عام 1953 إزداد الإهتمام بهذا الكاتب الذي كان له قراؤه المتحمسون خارج حدود ألمانيا واللغة الألمانية. وحين كتب بول رواية "صورة جماعية مع سيّدة" كان في الرابعة والخمسين، إنها قمة كتاباته الإبداعية وحاصل أدبي لمرحلة تاريخية تشمل فترة ما قبل الحرب وما بعدها حتى السبعينيات إذ حصل على جائزة نوبل عام 1972. ولن نجافي الصواب إذا قلنا إننا نلتقي على صفحات هذا العمل الروائي بكاتب لجأ إلى تقنية جديدة في السرد. Via مكتبة اقرأني http://qrtopa.com/rss
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق