الخميس، 30 يناير 2020
كافيه فيروز
بين حكواتي المقاهي الشعبية في الأمس وبين حكواتي اليوم الكتابي، تختلف القصص، فالأول يروي الخيال، والثاني يروي الواقع، وإن كان كلاهما يمارس فتنة السرد ولكن بأدوات مختلفة. والقارئ في كل زمان ومكان تغويه الحكايات، ولكن رواية «كافيه فيروز» للروائي والفنان التشكيلي علي شاكر (الدار العربية للعلوم ناشرون، 2015) هي أوسع وأشمل من كل الروايات فهي تطرح أسئلة الواقع العربي الراهن، تلامس واحد من الثالوث المحرم في المجتمعات العربية (السياسة)، وتعزف على وتر العلاقة الملتبسة بين المثقف والسلطة، ولم تنسَ أيضاً، الناس العاديون، وقود الرواية ووقود الثورات في آن. مضى عامان على هبوب عاصفة الربيع العربي، حماسة الشعوب للتغيير بدأت بالفتور ليحل محلها خوف وتوجس من القادم من الأيام. تقع الرواية في خمسة فصول يتمحور كل منها حول شخصية من الشخصيات المتواجدة في المقهى: نادين - مصورة ومراسلة صحفية من لبنان تعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية تقرر التقاعد والاستقرار في العاصمة الأردنية حيث تفتتح مقهى يحمل اسم مطربتها المفضلة ويتيح لزائريه سماع أغانيها ريثما يحتسون فناجين القهوة، شخصية نادين كارهة لكل مظاهر الزيف ومتمردة على السائد من التقاليد. وليد – عازف بيانو فلسطيني الأصل مولود لأسرة فقيرة في مخيم البقعة للاجئين في ضواحي عمّان، الألحان التي يعزفها في المقهى تثير شجونه فهو لم يتعاف بعد من انهيار علاقته بفتاة أحبها حد الجنون وقرر الارتباط بها قبل أن يكتشف حقيقتها المريعة. ربى - الابنة الوحيدة لواحد من أكثر الرجال نفوذاً في سوريا وزوجته الحسناء سليلة العائلة الدمشقية العريقة تصل إلى عمّان في مهمة غير معلنة، وجودها في الأردن وتماسها مع معاناة اللاجئين السوريين فيه يؤديان إلى إقدامها على خطوة ستغيّر مسار حياتها بل تقلبها رأساً على عقب. محمود - رجل أعمال مصري يصل إلى الأردن في زيارة عمل قصيرة يلتقي خلالها بنادين التي تدعوه إلى زيارة مقهاها، معارضة محمود لمحاولة زوجته الإيطالية التأثير على طفلتهما في الوقت الذي يرقب فيه التعصب الديني وهو يجتاح مدينته الحبيبة يكلفه ثمناً باهظاً. علي - مؤلف عراقي مغترب يقوم بزيارة الأردن لمتابعة بعض الشؤون العائلية ويتخذ من كافيه فيروز مقراً لكتابة روايته، الأغاني التي تتردد في المقهى تثير ذكرياته عن حياته في بغداد وبداية تعرُّفه على صوت فيروز وتجعله يسترجع ملامح العيش في ظل نظام شمولي والفوضى التي أعقبت الإطاحة بالحكم. الربيع العربي يشكّل الإطار الزمني لهذه الرواية، لكن أحداثها لا تُعنى بتحليل مسبباته ولا تزعم استقراء افرازاته ونتائجه، كل ما في الأمر أن نادين ووليد وربى ومحمود وعلي تَصادَفَ وجودهم في عمّان في ذلك التوقيت دون أن يخطر في بال أحد منهم أن ثورة أخرى توشك على الاندلاع في مصر أو أن الوضع المتأزم في كلٍّ من سورية والعراق سيتمخّض عن ولادة ما يعرف بداعش – مختصر للدولة الإسلامية في العراق والشام – ولم يكونوا يملكون أدنى فكرة عن الحال الذي ستؤول إليه الأمور في فلسطين أو لبنان أو ليبيا أو تونس. التصنيف
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق