الأحد، 17 نوفمبر 2019

لا أراني

كتب عاطف محمد عبد المجيد: في ديوانه «لا أراني» الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، يريد الشاعر أحمد الشهاوي أن يُولّد لغة خاصة به، لا ينازعه أحد فيها، مثلما يدعو إلى حرية القول والإبداع، مستهجنًا أي فعل أو تصرّف يُحدّ منها أو يُقيدها. و«كثمرة مانجو حار سقراط في وصفها» نحار نحن في وصف ماهية شعر الشهاوي، لما فيه من إبداع مُغمّس بنضوج فكر وبفلسفة شعرية لا يصل إليه كثيرون بسهولة، إلى جوار صور شعرية يحاول الشاعر أن يجدد فيها ويطور، ساعيًا لذلك بكل ما أوتي من أدوات شعرية، وموهبة امتلك زمامها وطوّعها مثلما أراد منذ زمن بعيد: «لمْ تنتظر اللاجدوى كي تطبخ الحصى». كل هذا يلتقي في عالم الشهاوي الشعري الذي يخلقه بذاته ولذاته. في «لا أراني» نلتقي شاعرًا متمردًا على ما حوله من واقع كسيح وبائس، رغم كونه يميل إلى العزلة: «رغم أن اليسار طريقك منذ الولادة». كما نجد شاعرًا يشعر أحيانًا أنه أضاع حياته بلا طائل: «أضعت حياتكَ في الكذب على الشمس وفي لغة لم تكن أمًّا رؤومًا وفي الكذب على قمر لم تكنْه». كذلك يلعب الشاعر في ديوانه هذا على وتر المفارقة كثــــيرًا باغــــيًا تقريب الحـــالة الشـــعرية إلى ذهن المتلقي مانحًا إياه دهشة كبيرة ومتعة لا يحس بها إلا متذوقو الشعر/ الشعر: «لا حبر في القلم وعليّ أن أكمل هذي القصيدة لأروي عطش هدهدي اليتيم». هنا أيضًا يلفت انتباهنا إلى أن مفردة الوحدة أخذت حيزًا لا بأس به مما يوحي بأن الشاعر غير منسجم مع عالمه المحيط: «أحب كثيرًا أن أغلّق أي باب عليّ رغم أن الوحدة تشاركني المبيت». أحمد الشهاوي الذي منح اسمه لقب حامل الغيمات، المغسول بالذهب، الزاهد في الظل، والبادئ من الصفر، يزوره اليأس أحيانًا مكدِّرًا عليه صفو حياته، إبداعيًّا وإنسانيًّا: « حين تمشي إمنع عن القدمين الأمل كي لا تسافر في رمال لا تؤدي إلى حلم يراوغ…» ومثله مثل معظم الشعراء الكبار فقد أصابته الخسائر نتيجة لمواقفه من الحياة والإبداع وقضاياهما التي يدافع عنها مهما كلفه هذا، هنا يعلن عن خسائره التي لحقت به طوال مشواره: «ما من لعبة كسبتها حتى صرت ابنًا للخسائر رحت في المتاهة لم أبرأ من اللعب…» في «لا أراني» أحمد الشهاوي الذي لا يدّعي أحقيته في شيء سوى اسمه وأشياء أخرى، يترك قلبه يسير طوال الليل وحده بلا بوصلة أو دليل، فقط ليبحث عن قصيدة يعتبرها وطنًا يحتمي به، وينام فيه بدون أن يصيبه يأس، أو يتخلى عنه أمل تعلق به ذات حين. يكتب الشهاوي عن الزهور، وعن الحب وهو الذي: «فقط كان شاعرًا يحبس اللغة في إنائها، ويمسح الأرض بالقصيدة، ولا يصدق أن الفيل في منديله نائم». في ديوانه الأحدث « لا أراني « الذي يضع فيه قصائده التفعيلية إلى جانب قصائده النثرية، تمتاز قصيدة الشهاوي بأنها ترتدي زي البساطة اللغوية والتصويرية، مبتعدًا عن الغموض النصي، مقتربًا، في مناطق كثيرة من الديوان، من اللغة العادية، غير أنه يحافظ على شَعرة تمنع تحوّل الشعر إلى كلام عادي ومجاني. كما تمتاز قصيدته بسلاستها وألقها الشعري الذي يجذب قارئها إليها، ويجعله يعيد قراءتها أكثر من مرة. وفي الأخير يود أحمد الشهاوي أن يقول هنا، عبر سطور قصائده ما فائدة الشعر إن لم يحقق للشاعر سعادته وحريته المشتهاة، وللمتلقي متعته واندهاشه المنتظَر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق