يعرف بطل رواية "جندي السلحفاة" عن نفسه الكثير، فهو يُبصر داخلها حديقة مُتناغمة الأزهار، وثراءً يُغنيه عن صُحبة العالم الذي لا يرى فيه سوى شاب مُتلعثم وأحمق وعديم النفع. صدرت أخيرا الترجمة العربية لرواية "جندي السلحفاة" للكاتبة السويسرية ميلندا نادج أبونجي عن دار "تنمية" للنشر، وأنجزتها المُترجمة المصرية الدكتورة هبة شريف، أستاذة الأدب الناطق بالألمانية والأدب المقارن بجامعة القاهرة سابقا، والرئيسة السابقة للمؤسسة الثقافية السويرية بالقاهرة، ومن ترجماتها "نموذج طفولة" لكريستا فولف، و"مثلا أخي" لأوفا تيم، و"محنة" لبيتر هاندكه الحائز أخيرا على جائزة نوبل. وميلندا نادج أبونج هي كاتبة وفنانة وموسيقية تقيم في زيورخ، حازت على جائزة الكتاب السويسري، كما حازت على جائزة الكتاب الألماني عن روايتها "الحمام يُحلّق بعيدا" وهي المر ة الأولى التي يتم منح جائزة الكتاب الألماني لكاتبة سويسرية، كما حصلت عام 2017 على الجائزة الثقافية لزيورخ. تضع صاحبة "جندي السلحفاة" بطلها "كريتيس زولتان" أو "زولي" في مآزق مبكرة مع تحقيق الذات، والتحقق، فهو ولد وحيد لأب يعمل بالسكة الحديدية حيث رائحة الشحم وضجيج عربات التحويلات، وله أصول نصف غجرية، بكل ما تورثه تلك الأصول من مشاعر الغُبن، وأم بائسة عاملة باليومية، ممزقة بين قلقها الفطري على ابنها، وبين آمالها المُعلقة عليه لانشالهم من القاع، ولكن قدر الصبي أطاح بآمال والديه العريضة، بعد أن تعرض لإصابات في عمر مبكر أثرت على قدراته العقلية، فأصبح طيلة عمره أسير نظرة المجتمع له بالبلاهة والحماقة والتفاهة. تطرُق الكاتبة على وتر نهايات الأحلام على مدار الرواية، فمنحت لوالد زولي صوت عويل مُصاحب لهذه النهايات ورثاء الأقدار التي تحمل معها بدايات النهايات، منذ إصابة زولي في الحادث " منذ سقطت من فوق الدراجة النارية بدأت الرجفة، كما يقول بابا، بداية النهاية، منذ ذلك الوقت وفي رأسي بندول غير ن منضبط.أصبحت خوافا مثل بنت صغيرة، هذا ما أصبحت عليه.شاب يرتعد إذا سمع رعدا أو شاهد برقا، أهناك شئ مثل هذا؟شاب في طول شجرة يبول على نفسه خوفا بلا أي سبب-فجأة ودون مقدمات أصبحت شابا مجنونا، لم يعد يطع أحد". تركت إصابة زولي على لسانه تلعثما في الحديث، ضاعف من عزلته، ومن هوسه بحديقته الصغيرة، ومخزن مقتنياته وكنوزه من قشور البندق وثمار البلوط، عالم كامل صنعه من فيض خياله الاستثنائي، صار حليفه في لحظات الجنون، فحمل قاموسه المُترع بصنوف النرجس البري وأزهار الجبل معه بعد التحاقه بمعسكر "تسريانين" العسكري حيث سمع هناك خُطبًا مُطولة عن السلام الذي يحتاج إلى حرب والحرب من أجل تحقيق السلام، وأشياء وجدها أكثر تعقيدا من كلماته المتقاطعة التي كان يجيد لعبها داخل مخزن الغلال وحيدا، وكان التحاقه بهذا المعسكر هو آخر محاولة من والديه لتحقيق آمالهم عبر صبيهم "الأبله" و "عديم النفع" لأن يصنع منه معسكر الجيش الشعبي في تسريانين جنديا ثم بطلًا. يظهر داخل المعسكر "يينو" الصديق الوحيد الذي يصطحب زولي داخل المعسكر، ويظهر تعاطفا كبيرا مع تلعثمه، وتصرفاته التي أوقعت به في مشكلات عدة داخل المعسكر وسط مواقف حملت الكثير من ملامح التنمر والعنف والمهانة، ما جعل وفاة يينو حدثا مُزلزلا جديدا عصف بما تبقى داخل زولي من قدرة على التحمل و الصمود داخل معسكر تسريانين، انتهت بتسريحه منه بسبب جنونه، في مواجهة كانت الأقسى له أمام العالم الذي لفظه لمجرد أنه مُختلف وحالم. تدور الرواية، التي تقع في 174 صفحة، على لسان زولي، في لغة حرصت المؤلفة أن تُغلفها بلكنة حالمة بريئة تتفكك أحيانا ككلمات متقاطعة مُتلعثمة، كما تشغل "هانا" وهي ابنة خالة زولي مساحة كبيرة من السرد، الذي تضئ به الكاتبة على مساحات أوسع من سيرة زولي، حيث تظهر هانا من بداية الرواية كمتعاطفة رئيسية مع زولي وتفرده، وتميزه، وتحاول عبر رحلة ممتدة من بداية الرواية أن تقف على محطات زولي الأخيرة التي سبقت وفاته المأساوية. منى أبوالنصر
source https://qrtopa.com/book/14776
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق