الأربعاء، 5 أغسطس 2020
دمشقي
انتظرت العريس بفارغ الصبر أن يبادر باتّخاذ الخطوة الأولى، وأن يقود الموقف أو يُنهيه. استسلمت، ونظرت إليه بتوتّر، ابتسم بينما كان يفكّر في أفضل خطوة لتفريغ التّوتّر من جسدها المتيبّس وتحطيم الجدران التي شيّدتها حول نفسها. تقدّم نحوها بهدوء، وابتسم ابتسامة عريضة أخرى، ثمّ قال مازحاً: «لا شيء يدعو للقلق أو الخوف. دعينا نلعب لعبة الدكتور، مثلما يلعب أبناء أختي الصغار، ولنرتمي على بعضنا البعض. أنا متأكّد أنكِ لعبت لعبة الدكتور أيضاً عندما كنتِ طفلة، أليس كذلك؟» ظهرت ابتسامة خجولة على وجهها، فتابع: «هيّا، ستحبّينها، وتستمتعين بها، وتطلبين المزيد. ستكون لذيذة مثل الكبّة اللّبنيّة. الأكلة التي لم تأكليها من قبل، ولكنْ، بمجرّد أن تتذوّقيها، ستطلبين المزيد، والمزيد منها». لم تستطع سوى أن تضحك، لأنها حاولت بالفعل فهم العلاقة بين ليلة الدخلة وطبق الكبّة اللّبنيّة. سعاد العامري: معمارية وكاتبة فلسطينية، ولدت عام 1951. نالت شهادة الدكتوراه من جامعة أدنبرة في اسكتلندا. في عام 1991 أسست "رواق"، وهي مؤسسة تعنى بالحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني. في عام 2004، نشرت أول رواية لها بعنوان «شارون وحماتي"، وقد تُرجمت إلى عشرين لغة، وحصلت على العديد من الجوائز الأدبية، ثمَّ تلتها عدة كتب أخرى، منها: «مراد مراد» و «غولدا نامت هنا». ولسعاد العامري مؤلفات عدة عن العمارة في فلسطين وغيرها. في رواية "دمشقيَ" ثمَّة تنافسية كبرى بين الشخصي والتاريخي والعائلي والخيالي، من دون أن يسود أحدها على الآخر، فالسرد فيها يتناوب على تقديم حيواتٍ مترامية في دمشق بدايات وأواسط القرن العشرين، تضعنا أمام نسيجٍ حي من المصائر، والقول إن الشخصيات فيها من لحمٍ ودم ٍليس بتوصيفٍ وافٍ، إذ إن حجارة دمشق وبيوتها وأزقتها وحاراتها وروائحها من لحمٍ ودمٍ أيضاً. فهذه الرواية تعيد تعريف التوثيقي، وتشخصن التاريخي، وتستخلص المتخيل من بين جدران قصر البارودي، كما لو أنها تطبق على دمشق متلبسة بأحداثٍ عائلية مصيرية متداخلة مع تواريخ مفصلية. إنها عن بسيمة الفلسطينية، ورحلتها إلى دمشق جراء زواجها نعمان البارودي الدمشقي، وفلسطين التي جاءت منها لا تغيب إلا لتظهر في أرجاء الرواية، كذا هي سلالة هذا الزواج: البنات والأبناء والحفيدات والأحفاد، ولتكون مآلات هذه الأسرة البرجوازية الشامية العريقة وما ألمّ بقصر البارودي معادلاً لدمشق (عاصمة بلاد الشام) وتحولاتها وكشّافاً لفصل من فصولها، وإن كانت سعاد العامري في ذلك تسرد الماضي فإنها تضعنا أمام أسئلة عن الحاضر وربما عن المستقبل. هذا ما جعل أنطونيا فراشوني تكتب في وصف أجواء الرواية: «كمن يدخل عاصفة هوجاء، تجعلنا العامري نشعر ونحن نقرأ، منذ الصفحات الأولى، تاريخَ جميع أفراد عائلتها، طريقتهم في الوجود، ومصيرهم، ولكنَّها في الوقت نفسه، تأخذ بيد القارئ ببطء عبر هذه المدينة التي لا تزال تستحضر حتى يومنا هذا، على الرّغم من الأنقاض، أحلاماً رائعة من ألف ليلة وليلة. لكن المؤكَّد، كما يبدو لي، أن العامري تفعل أكثر من ذلك، وهو أمر مهمٌّ للغاية بالنسبة لها كفلسطينية، وبالنسية لنا نحن القراء، بتأليفها هذه الرواية؛ إنها رحلةٌ لا تقتفي أثر عائلتها عبر ثلاثة أجيال فحسب؛ إنَّما هي رحلةٌ في الذاكرة، في ما يسمح لها بتأمل وجودها، ولنتأمل معها ما آلت إليه سوريا وفلسطين معاً، وهما بلدان يهمنا جميعاً تاريخهما وتبدلاتهما أكثر بكثير ممَّا نتخيَّل». Via مكتبة اقرأني http://qrtopa.com/rss
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق