الأحد، 3 نوفمبر 2019

وحيداً كذئب الفرزدق

تجربة الشاعر الأردني أمجد ناصر هي بين الأبرز والأكثر نضجاً وانفتاحاً وتجدّداً في الجيل الشعري، العريض والتعددي والغنيّ، الذي صعد منذ أواسط السبعينيات وحمل هاجس العبور الشائك من النثر الشعري كما أطلقه وأشاعه ثمّ خلّفه جيل محمد الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس ويوسف الخال، إلى شكل قصيدة النثر كما صرنا نقرأ نماذجه الرفيعة عند أمثال سليم بركات، عباس بيضون، سركون بولص، وليد خازندار، بول شاؤول، قاسم حداد، وديع سعادة، بسام حجار، نوري الجراح، سيف الرحبي، وبالطبع: أمجد ناصر. إنّ لديّ في العمق العديد من الأسباب التي جعلتني أنحاز، بحماس صريح، إلى شعر ناصر: لقد بدأ شاعر تفعيلة، وكتب نماذج متقدّمة في هذا الشكل خلال السنوات الأخيرة من عقد السبعينيات. وفي مجموعته الأولى، "مديح لمقهى آخر"، 1979، نقرأ عدداً من القصائد التي تفاجئنا - ولا تزال تفعل اليوم أيضاً - في مستوى نضجها الفنيّ، وهدوء نبرتها الإيقاعية، وذكاء استكشافها للطاقات الموسيقية الكامنة في عدد من التشكيلات التفعيلية، وبراعة تملُّصها من تبعات الشكل الأخرى (أنظمة التقفية، على سبيل المثال). وفي قصيدة جميلة، متعددة المقاطع وطويلة نسبياً، بعنوان "الشجر"، يقول ناصر: إنني المتسللُ من عتمة البارِ في عتمة الليلِ في عتمة الشارع المنتحي جانباً نحو عتمة صدري الثقيلة وأهجس متكئاً على قامتي الناحلة: رجالاً لهم قامةُ الرمحِ أطالوا الوقوفَ على جثة البدوي الصغير ومرّوا خفافاً إلى دار بائعة اليانصيبِ اشتروا ورقاً واحتمال الخسارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق